فصل: قال ابن العربي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما كان العاقل من نظر لنفسه فلم يرد كلام خصمه من غير حجة، وكان أقل ما يكون من توعد من بانت مخايل صدقه البعض، قال ملزمًا الحجة بالبعض، غير ناف لما فوقه إظهارًا للانصاف وأنه لم يوصله حقه فضلًا عن التعصب له نفيًا للتهمة عن نفسه: {بعض الذي} وقال: {يعدكم} دون {يوعدكم} إشارة إلى أنهم إن وافوه أصابهم جميع ما وعدهموه من الخير، وإلا دهاهم ما توعدهم من الشر، والآية من الاحتباك: ذكر اختصاصه بضر الكذب أولًا دليلًا على ضده وهو اختصاصه بنفع الصدق ثانيًا، وإصابتهم ثانيًا دليلًا على إصابته أولًا، وسره أنه ذكر الضار في الموضعين، لأنه أنفع في الوعظ لأن من شأن النفس الإسراع في الهرب منه، ولقد قام أعظم من هذا المقام- كما في الصحيح عن عبد الله بن عمرو- رضى الله عنهما- أبو بكر الصديق رضى الله عنه وهو مظهر إيمانه وقد جد الجد بتحقق الشروع في الفعل حيث اخذ المشركون بمجامع ثوب النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت فالتزمه أبو بكر رضى الله عنه وهو يقول هذه الآية، ودموعه تجري على لحيته حتى فرج الله وقد مزقوا كثيرًا من شعر رأسه رضى الله عنه ولما كان فرعون قد نسب موسى عليه الصلاة والسلام بما زعمه من إرادته إظهار الفساد إلى الإسراف بعد ما نسبه إليه من الكذب، علل هذا المؤمن قوله هذا الحسن في شقي التقسيم بما ينطبق إلى فرعون منفرًا منه مع صلاحيته لإرادة موسى عليه الصلاة والسلام على ما زعمه فيه فرعون فقال: {إن الله} أي الذي له مجامع العظمة ومعاقد العز {لا يهدي} أي إلى ارتكاب ما ينفع واجتناب ما يضر {من هو مسرف} أي بإظهار الفساد متجاوز للحد، وكأنه رضى الله عنه جوز أن يتأخر شيء مما توعد به فيسموه كذبًا، ولذا قال: {يصبكم بعض الذي يعدكم} فعلق الأمر بالمبالغة فقال: {كذاب} لأن أول خذلانه وضلاله تعمقه في الكذب، ويهدي من هو مقتصد صادق، فإن كان كاذبًا كما زعمتم ضره كذبه، ولم يهتد لوجه يخلصه، وإن كان صادقًا أصابتكم العقوبة ولم تهتدوا لما ينجيكم، لاتصافكم بالوصفين.
ولما خيلهم بهذا الكلام الذي يمكنه توجيهه، شرع في وعظهم إظهارًا للنصيحة لهم والتحسر عليهم فقال مذكرًا لهم بنعمة الله عليهم محذرًا لهم من سلبها مستعطفًا بذكر أنه منهم: {يا قوم} وعبر بأسلوب الخطاب دون التكلم تصريحًا بالمقصود فقال: {لكم الملك} ونبه على ما يعرفونه من تقلبات الدهر بقوله: {اليوم} وأشار إلى ما عهدوه من الخذلان في بعض الأزمان بقوله: {ظاهرين} أي غالبين على بني إسرائيل وغيرهم، وما زال أهل البلاء يتوقعون الرخاء، وأهل الرخاء يتوقعون البلاء، ونبه على الإله الواحد القهار الذي له ملك السماوات فملك الأرض من باب الأولى، بقوله معبرًا بأداة الظرف الدالة على الاحتياج ترهيبًا لهم: {في الأرض} أي أرض مصر التي هي لحسنها وجمعها المنافع كالأرض كلها، قد غلبتم الناس عليها.
ولما علم من هذا أنهم لا يملكون جميع الكون، تسبب عنه أن المالك للكل هو الإله الحق والملك المطلق الذي لا مانع لما يريد، فلا ينبغي لأحد من عبيده أن يتعرض إلى ما لا قبل له به من سخطه، فلذلك قال: {فمن ينصرنا} أي أنا وأنتم، أدرج نفسه فيهم عن ذكر الشر بعد إفراده لهم بالملك إبعادًا للتهمة وحثًا على قبول النصيحة: {من بأس الله} أي الذي له الملك كله، ونبه بأداة الشك على أن عذابه لهم أمر ممكن، والعاقل من يجوز الجائز ويسعى في التدرع منه فقال: {إن جاءنا} أي غضبًا لهذا الذي يدعي أنه أرسله، ويجوز أن يكون صادقًا، بل يجب اعتقاد ذلك لما أظهره من الدلائل، وفي قوله هذا تسجيل عليهم بأنهم يعرفون أن الله ملك الملوك ورب الأرباب، وكذا قول موسى عليه السلام {لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض} [الاسراء: 102] وأن ادعاء فرعون الإلهية إنما هو محض عناد.
ولما سمع فرعون ما لا طعن له فيه، فكان بحيث يخاف من بقية قومه إن أفحش في أمر هذا المؤمن، فتشوف السامع لجوابه، أخبر تعالى أنه رد ردًا دون رد بقوله: {قال فرعون} أي لقومه جوابًا لما قاله هذا المؤمن دالًا بالحيدة عن حاق جوابه على الانقطاع بالعجز عن نقض شيء من كلامه: {ما أريكم} أي من الآراء {إلا ما أرى} أي إنه الصواب على قدر مبلغ علمي، أي إن ما أظهرته لكم هو الذي أبطنه.
ولما كان في كلام المؤمن تعريض في أمر الهداية، وكان الإنسان ربما يتوافق قلبه ولسانه، ويكون تطابقهما على ضلال، قال: {وما أهديكم} أي بما أشرت به من قتل موسى عليه السلام وغيره {إلا سبيل الرشاد} أي الذي أرى أنه صواب، لا أبطن شيئًا وأظهر غيره، وربما يكون في هذا تنبيه لهم على ما يلوح من كلام المؤمن لأنه ارتاب في أمره، وفي هذا أنه في غاية الرعب من أمر موسى عليه السلام لاستشارته لقومه في أمره واحتمال هذه المراجعات التي يلوح منها أنه يكاد ينفطر غيظًا منه ولكنه يتجلد. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا} اعلم أنه تعالى لما حكى عن موسى عليه السلام أنه ما زاد في دفع مكر فرعون وشره على الاستعاذة بالله، بيّن أنه تعالى قيض إنسانًا أجنبيًا غير موسى حتى ذب عنه على أحسن الوجوه وبالغ في تسكين تلك الفتنة واجتهد في إزالة ذلك الشر.
يقول مصنف هذا الكتاب رحمه الله، ولقد جربت في أحوال نفسي أنه كلما قصدني شرير بشر ولم أتعرض له وأكتفي بتفويض ذلك الأمر إلى الله، فإنه سبحانه يقيض أقوامًا لا أعرفهم ألبتة، يبالغون في دفع ذلك الشر، وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
اختلفوا في ذلك الرجل الذي كان من آل فرعون، فقيل إنه كان ابن عم له، وكان جاريًا مجرى ولي العهد ومجرى صاحب الشرطة، وقيل كان قبطيًا من آل فرعون وما كان من أقاربه، وقيل إنه كان من بني إسرائيل، والقول الأول أقرب لأن لفظ الآل يقع على القرابة والعشيرة قال تعالى: {إِلاَّ آلَ لُوطٍ نجيناهم بِسَحَرٍ} [القمر: 34] وعن رسول الله أنه قال: «الصديقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل ياسين، ومؤمن آل فرعون الذي قال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبّىَ الله} والثالث علي ابن أبي طالب وهو أفضلهم» وعن جعفر بن محمد أنه قال: كان أبو بكر خيرًا من مؤمن آل فرعون لأنه كان يكتم إيمانه وقال أبو بكر جهارًا {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبّىَ الله} فكان ذلك سرًا وهذا كان جهارًا.
المسألة الثانية:
لفظ من في قوله: {مّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ} يجوز أن يكون متعلقًا بقوله: {مُؤْمِنٍ} أي كان ذلك المؤمن شخصًا من آل فرعون ويجوز أن يكون متعلقًا بقوله: {يَكْتُمُ إيمانه} والتقدير رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون، وقيل إن هذا الاحتمال غير جائز لأنه يقال كتمت من فلان كذا، إنما يقال كتمته كذا قال تعالى: {وَلاَ يَكْتُمُونَ الله حَدِيثًا} [النساء: 42].
المسألة الثالثة:
رجل مؤمن الأكثرون قرأوا بضم الجيم وقرئ رجل بكسر الجيم كما يقال عضد في عضد.
المسألة الرابعة:
قوله تعالى: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبّىَ الله} استفهام على سبيل الإنكار، وقد ذكر في هذا الكلام ما يدل على حسن ذلك الاستنكار، وذلك لأنه ما زاد على أن قال: {رَبّىَ الله} وجاء بالبينات وذلك لا يوجب القتل ألبتة وقوله: {وَقَدْ جَاءكُمْ بالبينات مِن رَّبّكُمْ} يحتمل وجهين الأول: أن قوله: {رَبّىَ الله} إشارة إلى التوحيد، وقوله: {وَقَدْ جَاءكُمْ بالبينات} إشارة إلى الدلائل الدالة على التوحيد، وهو قوله في سورة طه (50) {رَبُّنَا الذي أعطى كُلَّ شيء خَلْقَهُ ثُمَّ هدى} وقوله في سورة الشعراء (24) {رَبّ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ} إلى آخر الآيات، ثم ذكر ذلك المؤمن حجة ثانية في أن الإقدام على قتله غير جائز وهي حجة مذكورة على طريقة التقسيم، فقال إن كان هذا الرجل كاذبًا كان وبال كذبه عائدًا عليه فاتركوه وإن كان صادقًا يصبكم بعض الذي يعدكم، فثبت أن على كلا التقديرين كان الأولى إبقاؤه حيًا.
فإن قيل السؤال على هذا الدليل من وجهين الأول: أن قوله: {وَإِن يَكُ كاذبا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ} معناه أن ضرر كذبه مقصور عليه ولا يتعداه، وهذا الكلام فاسد لوجوه أحدها: أنا لا نسلم أن بتقدير كونه كاذبًا كان ضرر كذبه مقصورًا عليه، لأنه يدعو الناس إلى ذلك الدين الباطل، فيغتر به جماعة منهم، ويقعون في المذهب الباطل والاعتقاد الفاسد، ثم يقع بينهم وبين غيرهم الخصومات الكثيرة فثبت أن بتقدير كونه كاذبًا لم يمكن ضرر كذبه مقصورًا عليه، بل كان متعديًا إلى الكل، ولهذا السبب العلماء أجمعوا على أن الزنديق الذي يدعو الناس إلى زندقته يجب قتله وثانيها: أنه إن كان الكلام حجة له، فلا كذاب إلا ويمكنه أن يتمسك بهذه الطريقة، فوجب تمكن جميع الزنادقة والمبطلين من تقرير أديانهم الباطلة وثالثها: أن الكفار الذين أنكروا نبوّة موسى عليه السلام وجب أن لا يجوز الإنكار عليهم، لأنه يقال: إن كان ذلك المنكر كاذبًا في ذلك الإنكار فعليه كذبه، وإن يك صادقًا انتفعتم بصدقه، فثبت أن هذا الطريق يوجب تصويب ضده، وما أفضى ثبوته إلى عدمه كان باطلًا.
السؤال الثاني: أنه كان من الواجب أن يقال وإن يك صادقًا يصبكم كل الذي يعدكم لأن الذي يصيب في بعض ما يعد دون البعض هم أصحاب الكهانة والنجوم، أما الرسول الصادق الذي لا يتكلم إلا بالوحي فإنه يجب أن يكون صادقًا في كل ما يقول فكان قوله: {يُصِبْكُمْ بَعْضُ الذي يَعِدُكُمْ} غير لائق بهذا المقام والجواب: عن الأسئلة الثلاثة بحرف واحد وهو أن تقدير الكلام أن يقال إنه لا حاجة بكم في دفع شره إلى قتله بل يكفيكم أن تمنعوه عن إظهار هذه المقالة ثم تتركوا قتله فإن كان كاذبًا فحينئذ لا يعود ضرره إلا إليه، وإن يك صادقًا انتفعتم به، والحاصل أن المقصود من ذكر ذلك التقسيم بيان أنه لا حاجة إلى قتله بل يكفيكم أن تعرضوا عنه وأن تمنعوه عن إظهار دينه فبهذا الطريق تكون الأسئلة الثلاثة مدفوعة.
وأما السؤال الثاني: وهو قوله كان الأولى أن يقال يصبكم كل الذي يعدكم، فالجواب عنه من وجوه الأول: أن مدار هذا الاستدلال على إظهار الإنصاف وترك اللجاج لأن المقصود منه إن كان كاذبًا كان ضرر كذبه مقصورًا عليه، وإن كان صادقًا فلا أقل من أن يصل إليكم بعض ما يعدكم، وإن كان المقصود من هذا الكلام ما ذكر صح، ونظيره قولله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ في ضلال مُّبِينٍ} [سبأ: 24]، والوجه الثاني: أنه عليه السلام كان يتوعدهم بعذاب الدنيا وبعذاب الآخرة، فإذا وصل إليهم في الدنيا عذاب الدنيا فقد أصابهم بعض الذي يعدهم به، الوجه الثالث: حُكي عن أبي عبيدة أنه قال ورود لفظ البعض بمعنى الكل جائز، واحتج بقول لبيد:
تراك أمكنة إذا لم أرضها ** أو يرتبط بعض النفوس حمامها

والجمهور على أن هذا القول خطأ، قالوا وأراد لبيد ببعض النفوس نفسه، والله أعلم.
ثم حكى الله تعالى عن هذا المؤمن حكاية ثالثة في أنه لا يجوز إيذاء موسى عليه السلام فقال: {إِنَّ الله لاَ يَهْدِى مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ} وتقرير هذا الدليل أن يقال: إن الله تعالى هدى موسى إلى الإتيان بهذه المعجزات الباهرة، ومن هداه الله إلى الإتيان بالمعجزات لا يكون مسرفًا كذابًا فهذا يدل على أن موسى عليه السلام ليس من الكاذبين، فكان قوله: {إِنَّ الله لاَ يَهْدِى مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} إشارة إلى علو شأن موسى عليه السلام على طريق الرمز والتعريض، ويحتمل أيضًا أن يكون المراد أن فرعون مسرف في عزمه على قتل موسى، كذاب في إقدامه على ادعاء الإلهية، والله لا يهدي من هذا شأنه وصفته، بل يبطله ويهدم أمره.
{يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا} اعلم أن مؤمن آل فرعون لما أقام أنواع الدلائل على أنه لا يجوز الإقدام على قتل موسى، خوفهم في ذلك بعذاب الله فقال: {ياقوم لَكُمُ الملك اليوم ظاهرين في الأرض} يعني قد علوتم الناس وقهرتموهم، فلا تفسدوا أمركم على أنفسكم ولا تتعرضوا لبأس الله وعذابه، فإنه لا قبل لكم به، وإنما قال: {يَنصُرُنَا} و{جَاءنَا} لأنه كان يظهر من نفسه أنه منهم وأن الذي ينصحهم به هو مشارك لهم فيه، ولما قال ذلك المؤمن هذا الكلام {قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى} أي لا أشير إليكم برأي سوى ما ذكرته أنه يجب قتله حسمًا لمادة الفتنة {وَمَا أَهْدِيكُمْ} بهذا الرأي {إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد} والصلاح. اهـ.

.قال ابن العربي:

قَوْله تَعَالَى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}.
ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا كَتَمَ إيمَانَهُ، وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ لِسَانُهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا بِاعْتِقَادِهِ.
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ إذَا نَوَى بِقَلْبِهِ طَلَاقَ زَوْجِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ، كَمَا يَكُونُ مُؤْمِنًا وَكَافِرًا بِقَلْبِهِ، فَجَعَلَ مَدَارَ الْإِيمَانِ عَلَى الْقَلْبِ، وَإِنَّهُ كَذَلِكَ، لَكِنْ لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ بِمَا لُبَابُهُ أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا نَوَى الْكُفْرَ بِقَلْبِهِ كَانَ كَافِرًا، وَإِنْ لَمْ يَلْفِظْ بِلِسَانِهِ.
وَأَمَّا إذَا نَوَى الْإِيمَانَ بِقَلْبِهِ فَلَا يَكُونُ مُؤْمِنًا حَتَّى يَتَلَفَّظَ بِلِسَانِهِ، وَأَمَّا إذَا نَوَى الْإِيمَانَ بِقَلْبِهِ تَمْنَعُهُ التَّقِيَّةُ وَالْخَوْفُ مِنْ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِلِسَانِهِ فَلَا يَكُونُ مُؤْمِنًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا تَمْنَعُهُ التَّقِيَّةُ مِنْ أَنْ يَسْمَعَهُ غَيْرُهُ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْإِيمَانِ أَنْ يَسْمَعَهُ الْغَيْرُ فِي صِحَّتِهِ مِنْ التَّكْلِيفِ؛ إنَّمَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُ الْغَيْرِ لَهُ لِيَكُفَّ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} فيه أربع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ} ذكر بعض المفسرين: أن اسم هذا الرجل حبيب.
وقيل: شمعان بالشين المعجمة.
قال السُّهيلي: وهو أصح ما قيل فيه.
وفي تاريخ الطبري رحمه الله: اسمه خبرك.
وقيل: حزقيل.
ذكره الثعلبي عن ابن عباس وأكثر العلماء.
الزمخشري: واسمه سمعان أو حبيب.
وقيل: خربيل أو حزبيل.
واختلف هل كان إسرائيليًا أو قبطيًا فقال الحسن وغيره: كان قبطيًا.
ويقال: إنه كان ابن عم فرعون؛ قاله السدي.
قال: وهو الذي نجا مع موسى عليه السلام؛ ولهذا قال: {مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} وهذا الرجل هو المراد بقوله تعالى: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى المدينة يسعى قَالَ يا موسى} [القصص: 20] الآية.
وهذا قول مقاتل.